قبل عدة سنوات، قرأت عبارة لا أذكر كلماتها بالضبط ولكن مفادها أن الانسان ذكي جدا لدرجة أن بقاءه مهدد على الأرض من دون حكمة. بقيت العبارة راسخة في ذهني لأنها تفسر العديد من الظواهر، فها هي شجرة الأرز تحتاج إلى مئات، -ان لم يكن آلاف- السنين حتى تنمو، ولكن قطعها بواسطة الماكينات الحديثة يتم خلال ثوان معدودة.
من هنا، فإننا نحتاج لاستعادة الحكمة التي تحمي وجودنا، فالعقل والعلم والمعرفة الذين يفتقرون إلى الحكمة هم أخطر ما حصل للإنسان والمجتمعات والطبيعة. كما نشهد اليوم، فإن العقل الفاقد للحكمة يستطيع السير بسرعة هائلة ويؤدي بنا إلى مخاطر في مختلف مناحي الحياة، لذلك فقد دفعت المجتمعات البشرية ثمنا باهظا نتيجة غياب الحكمة.
بالنظر إلى القرون الخمسة الماضية، فقد شهد العالم تطورا وتقدما مذهلين. بيد أننا اذا تعمقنا بالنظر، فإننا سنعي بأن التطور الذي حصل كان على صعيد "الأقفاص" في الغالب وليس الجوهر، ففي الوقت الذي تطورت فيه الأدوية، شهدت العافية تقهقرا رهيبا. كما أن معظم الأمراض الحديثة الجسدية والنفسية والمجتمعية تعالج من خلال تحول في الادراك ونمط العيش. إن ما يحصل حول العالم اليوم يتطلب تبني مفهوم للعلم يعنى بالتطوير من دون التخريب، ويحمي الطبيعة من الدمار الذي يلحقه بها الانسان بالذات، وهي جميعها أمور لا تتحقق في غياب الحكمة.
نحن نتطلع إلى استعادة دور الحكمة واعادة اكتشاف تلك القيمة الموجودة في ثنايا اللغة والأدب والشعر وفي قصصنا الانسانية التي لا تنتهي. يجب أن نعي بأن الحكمة هي من مصادر القوة التي تملكها الناس والمجتمعات وقد حان الوقت لإعادة التركيز على مصادر قوتنا بعد أن نجح العصر الذي تلا الحرب العالمية الثانية في تحويل أنظارنا إلى حاجاتنا بدلا من مصادر قوتنا. دعونا نبتعد عن التركيز على احتياجاتنا التي تكون في الغالب حاجات استهلاكية وعن الاهتمام بجوانب الضعف التي تزرع فينا احتقارا لذاتنا وحضارتنا. دعونا بدلا من ذلك أن نهتم بمصادر قوتنا لنعالج حاجاتنا بطريقة طبيعية وسليمة، وفي مقدمة مقومات قوتنا تأتي الحكمة.
إنها قيمة موجودة في حياة الكثيرين منا، وفي القصص التي نحملها، وقد بدأنا بعمل سلسلة من اللقاءات التي نأمل أن تشمل مواقع عدة في البلدان العربية. كما قمنا باطلاق موقع الكتروني يعنى باستعادة الحكمة في الحياة. لا يزال الموقع في بداياته، وهو بيت ومساحة تستضيف كل من يريد أن يشارك بقصة تحمل حكمة وكل من يريد أن يساهم بخبراته.
من خلال القصص الانسانية التي نأمل أن يجمعها موقع "بيت الحكمة"، نأمل أن نخطو خطوات جادة لاستعادة الحكمة وحماية مسيرة المجتمعات من التهديد الذي يطالها في حال أطلقت العنان للعقل الذي يفتقر للحكمة!
للمزيد من المعلومات، الرجاء زيارة الموقع التالي: www.beitalhikmah.ps منير فاشه
|